بدأت مكتبة الأسرة سلسلة إصداراتها الجديدة بكتب تخاطب الحداثة والعقل وترتقى بالوجدان، وتنعش الذاكرة التاريخية وتحيى فريضة التفكير النقدى، كان المولود الأول لمكتبة الأسرة 2015 هو كتاب فى غاية الأهمية عنوانه «الإسلام والعلم.. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية» تأليف د.برويز أمير وترجمة د. محمود خيال، معركة علماء باكستان هى بالضبط فوتوكوبى من معركة علماء مصر ضد الأصولية التى تعتبر العلم عدوها الأول، كنت قد قدمت قراءة سابقة للكتاب عند صدوره عن المركز القومى للترجمة، ولكنى اليوم سأقدم لكم اقتباسات سريعة من هذا الكتاب كفواتح للشهية لأنه لا بديل عن الجلوس إلى طاولة هذا الكتاب لتناول وجبته العقلية الفكرية الشهية: يجوز تشبيه العلم، بمبنى دائم التطور، لا تنقطع فيه أعمال التجديد، فالبناء دائماً فى اتساع، مضيفاً إلى نفسه أجزاء وملحقات كثيرة. ناقداً لنفسه، ومهدماً لنفسه أحياناً. من الخطورة بمكان تعليق الإيمان بالحقيقة الأزلية، بنظريات العلم المتغيرة، فمفهومنا للكون قد يتغير جذرياً مع الوقت، كما أن العلم لا يستحى من هجر نظرياته القديمة واعتناق ما هو أحدث. أليس مثيراً للخراب، إرساء المسألة العقائدية على تلك الرمال المتحركة؟ يبدو واضحاً أن الفكر العقلانى والميول المدنية ذات الجذور اليونانية، التى أشعلت جذوة العلم والتعليم فى المراحل الأولى للإسلام، قوبلا بالمعارضة والتحدى فى نهاية الأمر لم يمض وقت طويل، حتى ساوت الأصولية بين «علوم الأوائل» والزندقة، كما أدينت الفلسفة. ■ بالرغم من أن العرب أدخلوا الورق إلى أوروبا، فإنهم تجنبوا استخدامه فى طباعة الكتب لمدة حوالى ثلاثة قرون. حيث صورت لهم الوساوس أن نسخ لفظ الله بطريقة آلية، يشوبه الكثير من عدم الاحترام. قال أبوحامد الغزالى عن العلم الدنيوى «يا فتى، كم سهرت الليالى، مردداً العلم، منكباً على الكتب، ناكراً للنوم على نفسك. لا أدرى السبب فى هذا كله، فإن كان لإدراك غايات دنيوية، وضمان زهوها، والحصول على شرفها وجلالها، أو للتفوق على زملائك وما ماثل ذلك، فالويل لك، الويل لك»!!!. هناك علم واحد عالمى، ومشاكله وأشكاله عالمية، ولا يوجد ما يُسمى بالعلم الإسلامى، كما لا يوجد ما يُسمى علم هندى، ولا علم يهودى، ولا كونفوشيوسى، ولا مسيحى. عُقد مؤتمر فى الكويت فى عام 1983 وحضره رؤساء 17 جامعة عربية. كان الهدف المزعوم للمؤتمر، تحديد وإزالة المعوقات التى تواجه تطوير العلم والتكنولوجيا فى العالم العربى. لكن نقطة واحدة هيمنت على أعمال المؤتمر، وهى: هل العلم إسلامى؟. كانت وجهة نظر السعوديين أن العلم يتعارض مع المعتقد الإسلامى، حيث إن العلم يميل إلى إفراز نزعات مثل المعتزلة، كما أنه مخرب للعقيدة، وهو دنس لأنه مدنى (علمانى، Secular)! وبهذا فى رأيهم، فإنه يتعارض مع المعتقدات الإسلامية. وعلى ذلك أوصى السعوديون بأنه، بالرغم من أهمية تنمية التكنولوجيا لمنافعها الواضحة، إلا أن العلم الخالص، يجب عدم الالتفات إليه. فى إسلام آباد وفى كتاب العلوم لتلاميذ الصف الثالث لا يجب سؤال الطفل عن: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يتناول الحيوان الطعام؟ وبدلاً عنه يكون السؤال: ماذا يمكن أن يحدث إذا لم يعطِ الله الطعام للحيوان؟. توصيات معهد الدراسات السياسية فى إسلام آباد بالنسبة لتدريس العلوم لا يجب إرجاع «التأثير» إلى أى مسبب مادى؛ فهذا الطريق يقود إلى الإلحاد، فمثلاً تقول التوصيات: يكمن السم فى بعض العناوين الفرعية فى الكتب مثل «الطاقة تُحدث تغيرات» لأنها تُعطى الانطباع بأن الطاقة هى المصدر الحقيقى بدلاً من الله. كذلك فليس من الإسلام أن نقوم بتعليم أن الماء ينتج بطريقة أوتوماتيكية من خلط الأوكسجين والهيدروجين. فالأسلوب الإسلامى يقول: يتولد الماء بمشيئة الله، عندما تقترب ذرات الهيدروجين من ذرات الأوكسجين، الفصل الأول من أى كتاب وليكن كتاب الكيمياء، فلا بد أن يكون عنوانه «القرآن الكريم والكيمياء» وكل فصل بعد ذلك يجب أن يبدأ بما يناسبه من آية قرآنية أو حديث، لا يجب تسمية أية قوانين أو قواعد باسم أشخاص (علماء) فمثلاً يعتبر ذكر قوانين نيوتن أو بويل.. إلخ، ممارسة غير إسلامية، لأن هذا مساوٍ للشرك فتسمية القوانين بهذا الشكل يعنى الانطباع أن القوانين خُلقت بالعلماء بدلاً من مجرد اكتشافها، يجب إدخال الله فى حصص تعليم العلوم «يجب على مراجعنا العلمية أن تعرض مسألة الوجود الأزلى والآخرة، فدراسة هذه المواضيع يجب النظر إليها كدراسات علمية وليس على أنها من الإسلاميات»، يجب استعمال كتاب مولانا مودودى «تفهيم القرآن» فى بداية مقرر علم الحيوان للاسترشاد به، يجب إسناد مولد كل العلوم إلى الحقبة الإسلامية، فالفيزياء النووية تدين بجذورها لابن سينا، وكيمياء جابر بن حيان.. إلخ، وأما اليونانيون فلا يستحقون أى تقدير فهم لم يعرفوا شيئاً عن العلم التجريبى.